تفسير سورة الحجرات 2
التثبت من الأخبار
قال تبارك وتعالى -: { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا }
{ إن جاءكم فاسق } الفاسق هو من انحرف في دينه وعقيدته ومروءته،
وضده العدل وهو من استقام في دينه ومروءته
{ بنبإ } بخبر
{ فتبينوا } إن جاءنا بخبر فلا نقبله لما عنده من الفسق، ولا نرده لاحتمال أن يكون صادقاً.
وفي قراءة (فتثبتوا) وهما بمعنى متقارب .
فإن شهد له الواقع بالحق قبلناه لوجود القرينة الدالة على صدقه، و إلا رددناه .
وقوله - سبحانه وتعالى -: { إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا }
يفيد أنه إن جاءنا عدل فإننا نقبل الخبر، إلا إذا كان الخبر مستغربا ، أو
انفرد به عن الناس ،أو كان هناك دلائل قوية تكذبه ، أو كان يخبر عن قوم
بينه وبينهم شحناء ،أو عرف عن هذا الناقل- رغم صلاحه - التسرع والعجلة ،إلى
غير ذلك من الأسباب والاعتبارات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: وكثير
من الناقلين ليس قصده الكذب، لكن المعرفة بحقيقة أقوال الناس من غير نقل
ألفاظهم، وسائر ما به يعرف مرادهم قد يتعسر على بعض الناس، ويتعذر على
بعضهم ) - انظر: منهاج السنة6-3030.).
وقال ابن القيم - رحمه الله -:
صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده، ثم قال:
وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد، يميز به بين الصحيح والفاسد،
والحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد (انظر: أعلام الموقعين1-87.).
ولا
ننس حادثة الإفك ورمي الصديقة بنت الصديق بالبهتان ،رمى ابن سلول الكلمة
فتلقفتها ألسنة المنافقين ، بل ووقع فيها بعض من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم بين الله - عز وجل - الحكمة من كوننا نتبين خبر الفاسق فقال:
{ أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين }
يعني
أمرناكم أن تتثبتوا كراهة أن تصيبوا قوماً بجهالة؛ لأن الإنسان إذا تسرع
ولم يتثبت فقد يعتدي على غيره بناءً على الخبر الذي سمعه من الفاسق، وقد
يكرهه، وقد يتحدث فيه في المجالس، فيصبح بعد أن يتبين أن خبر الفاسق كذب
نادماً على ما جرى منه .
وفي هذه الآية دليل على أنه يجب على الإنسان أن يتثبت فيما ينقل من
الأخبار ولا سيما مع الهوى والتعصب، فإذا جاءك خبر عن شخص وأنت لم تثق بقول
المخبر فيجب أن تتثبت، وألا تتسرع في الحكم؛ لأنك ربما تتسرع وتبني على
هذا الخبر الكاذب فتندم فيما بعد
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط وأن النبي صلى
الله عليه وسلم بعثه ليجبي الزكاة من بني المصطلق، فلما أقبل إليهم لأخذ
الزكاة استقبلوه في الطريق؛ فخيل إليه أنهم سيقتلونه؛ فرجع هاربا إلى
المدينة وقال: منعوا الزكاة، وكادوا يقتلونني، فصدقوه، وهم النبي صلى الله
عليه وسلم أن يغزوهم ، وبينما هو كذلك إذ جاء وفدهم؛ وفد بني المصطلق،
وقالوا: يا رسول الله، إننا استقبلنا رسولك، وإنه رجع بعدما قابلنا، فقال:
هل منعتم؟
قالوا : ما منعنا وإنما فرحنا بقدومه فعند ذلك نزلت الآية
والصحيح الذي يليق بصحابة رسول الله عدم ثبوت صحة هذه القصة وقد وردت بأسانيد كلها ضعيفة (1)
وأهم ما يستفاد من الآيات
وجوب التثبت من الأخباروخطورة الشائعات
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأدَ البنات، ومنعاً وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال " متفق عليه .
وإن من أولى الخطوات في مواجهة حرب الشائعات تربية النفوس على الخوف من الله، والتثبت في الأمور، فالمسلم لا ينبغي أن يكون أذنا لكل ناعق، بل عليه التحقق والتبيّن، وطلب البراهين الواقعية، والأدلّة الموضوعية، والشواهد العملية، وبذلك يُسدّ الطريق أمام الأدعياء، الذين يعملون خلف الستور، ويلوكون بألسنتهم كل قول وزور.
كيف عالج الإسلام قضية الإشاعة ؟
عالج الإسلام قضية الإشاعة عن طريق ثلاث نقاط:
أ- النقطة الأولى: التثبت.
و التثبت له طرق كثيرة؛ فمنها :
أ- إرجاع الأمر لأهل الاختصاص:
يقول الله تعالى: ( و إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به و لو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) النساء 83
قال الشيخ السعدي- رحمه الله -: ( هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم غير اللائق ، و أنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة و المصالح العامة ؛ ما يتعلق بسرور المؤمنين أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا و لا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر ، بل يردونه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم ؛ أهل الرأي و العلم و العقل الذين يعرفون المصالح و ضدها.
فإن رأوا في إذاعته مصلحة و نشاطا للمؤمنين و سرورا لهم و تحرزا من أعدائهم : فعلوا ذلك.
فان رأوا ليس من المصلحة أو فيه مصلحة و لكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه )ا. هـ
فكم من إشاعة كان بالمكان تلافي شرها بسؤال أهل الاختصاص.
ب- التفكر في محتوى الإشاعة:
إن كثير من المسلمين لا يفكر في مضمون الإشاعة الذي قد يحمل في طياته كذب تلك الإشاعة، بل تراه يستسلم لها و ينقاد لها و كأنها من المسلمات.
و لو أعطينا أنفسنا و لو للحظات في التفكر في تلك الإشاعات لما انتشرت إشاعة أبدا.
لقد بين الله حال المؤمنين الذين تكلموا في حادثة الإفك فقال سبحانه: ( إذ تلقونه بألسنتكم و تقولون بأفواهكم ما ليس به علم )النور 15
(إذ تلقونه بألسنتكم )ومن البديهي أن الإنسان يتلقى الأخبار بسمعه لا بلسانه ، و لكن أولئك النفر من الصحابة الذين وقعوا في الإفك لم يستعملوا التفكير، لم يمروا ذلك الخبر على عقولهم ليتدبرا فيه، بل قال الله عنهم أنهم يتلقون حادثة الإفك بألسنتهم ثم يتكلمون بها بأفواههم من شدة سرعتهم في نقل الخبر و عدم التفكر فيه.
ب- النقطة الثانية: الناقل للإشاعة من الفاسقين.
في الآية السابقة يقول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ...) فجعل الله من نقل الخبر دون تثبت من الفاسقين.
فمجرد نقل الأخبار دون التأكد من صحتها موجب للفسق؛ و ذلك لأن هذه الأخبار ليس كلها صحيح، بل فيها الصحيح والكاذب، فكان كل من نقل كل خبرو أشاعه؛ داخل في نقل الكذب، لذا جعله الله من الفاسقين.
و قد صرح النبي بذلك كما في صحيح مسلم : (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع )
فالمؤمن لابد له من الحذر في أن يكون عند الله من الفاسقين .
والعاقل يعلم أنه ليس كل ما يسمع يقال.
و لا كل ما يعلم يصلح للإشاعة و النشر.
وصح عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: "بئس مطية الرجل: زعموا" رواه أبو داود وغيره.
وأما إن كانت الشائعة صحيحة واقعة، لكن في إذاعتها مفسدة وأذى، فإن ذلك محرم أيضاً، خاصة إذا كان فيها أذية لمسلم وإضرار به، وتتبع لعوراته .
عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته" حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وأحمد.
ث- النقطة الثالثة: التفكر في عواقب الإشاعة:
و عودة مرة ثالثة للآية السابقة في سورة الحجرات يقول الله تعالى:
( أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )
هلا تفكرت في نتائج الإشاعة؟
هلا تدبرت في عواقبها؟
فاعلم أخي:
إن كل خسارة، كل هم و غم أصاب أخاك المسلم، كل أموال أهدرت بسبب إشاعتك التي نشرتها أو ساعدت في نشرها فلك نصيب من الإثم فيها.
حادثة الإفك :
ولعل
من أشهره الإشاعات قصة الإفك، تلك الحادثة التي كشفت عن شناعة الشائعات،
وهي تتناول بيت النبوة ، وتتعرّض لعرض أكرم الخلق على الله - صلى الله عليه
وسلم -، وعرض الصدّيق والصدّيقة وصفوان بن المعطل - رضي الله عنهم أجمعين-
وشغلت هذه الشائعة المسلمين بالمدينة شهراً كاملاً، والمجتمع الإسلامي
يصطلي بنار تلك الفرية، وتعصره الشائعة الهوجاء عصراً، حتى نزل الوحي ليضع
حداً لتلك المأساة ، ويرسم المنهج للمسلمين عبر العصور للواجب اتخاذه عند
حلول الشائعات المغرضة {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}
12 النــور
إلى
قوله سبحانه: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا
أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ *
يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم
مُّؤْمِنِينَ} 16 - 17 النــور
وقد ورد أن أبا أيوب الأنصاري قالت له امرأته أم أيوب: يا أبا أيوب، أما تسمع ما يقول الناس في عائشة، رضي الله عنها؟
قال: نعم، وذلك الكذب. أكنتِ فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا والله ما كنتُ لأفعله.
قال: فعائشة والله خير منك.
تقول عائشة - رضي الله عنها-: "فمكثت شهراً لا يرقأ لي دمعٌ ولا أكتحل بنوم"، حتى برّأها الله من فوق سبع سماوات، - رضي الله عنها وأرضاها-.
كيف نتعامل مع الإشاعات :
لابد أن يكون هناك منهج محدد لكل مسلم يتعامل فيه مع الإشاعات، ونلخصها في أربعة نقاط مستنبطة من حادثة الإفك، التي رسمت منهجاً للأمة في طريقة تعاملها مع أية إشاعة إلى قيام الساعة :
النقطة الأولى: أن يقدم المسلم حسن الظن بأخيه المسلم، قال الله تعالى: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً) النور 12
النقطة الأولى: أن يقدم المسلم حسن الظن بأخيه المسلم، قال الله تعالى: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً) النور 12
النقطة الثانية: أن يطلب المسلم الدليل على أية إشاعة يسمعها يقصد بها الخوض في عرض مسلم أو مسلمة قال الله تعالى: ( لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء)النور13
النقطة الثالثة: أن لا يتحدث بما سمعه ولا ينشره، فإن المسلمين لو لم يتكلموا بأية إشاعة، لماتت في مهدها قال الله تعالى: (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا)النور 16
النقطة الرابعة: أن يرد الأمر إلى أولى الأمر، ولا يشيعه بين الناس أبداً، وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار المهمة، والتي لها أثرها الواقعي:قال الله تعالى:
( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا)النساء 83
فإذا حوصرت الشائعات بهذه الأمور الأربعة، فإنه يمكن أن تتفادى آثارها السيئة المترتبة عليها بإذن الله عز وجل.
(1) تحقيق هذه القصة :
قال الشيخ عبد الرحمن دمشقية:
بالرغم من أن أمر الله بالتثبت والتبين كان صريحا في قوله تعالى :
(يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )الحجرات6.
فقد ورد في تفسير هذه الآية ما يخالف هذا الأمر الإلهي فيها من منهج التثبت والتبين.
فقد ورد في تفسير هذه الآية ما يخالف هذا الأمر الإلهي فيها من منهج التثبت والتبين.
فقد انتشرت في كتب التفسير روايات تصف (الوليد بن عقبة) أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه هو الذي نزلت في هذه الآية وأنه فاسق بالنص من القرآن.
يقول ابن كثير حمه الله وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الاَية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط, حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق, وقد روي ذلك من طرق ومن أحسنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده من رواية ملك بني المصطلق, وهو الحارث بن ضرار والد جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها. قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن سابق, حدثنا عيسى بن دينار, حدثني أبي أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي رضي الله عنه.. )الحديث.
وهذا السند الذي قال عنه ابن كثير بأنه من أحسنها هو سند ضعيف.
فإن في السند محمد بن سابق. ضعفه ابن معين ووثقه العجلي.
فإن في السند محمد بن سابق. ضعفه ابن معين ووثقه العجلي.
وقال يعقوب بن شيبة (ثقة لا يوصف بالضبط).
وقال الحافظ عنه في التقريب ( صدوق).
ودينار وهو والد عيسى ذكره ابن حبان في الثقات مع أن ابنه عيسى هو من المجاهيل.
ودينار وهو والد عيسى ذكره ابن حبان في الثقات مع أن ابنه عيسى هو من المجاهيل.
فالرواية إذن ضعيفة بالرغم من أنها أحسن الموجود.
ورواه ابن أبي حاتم والطبري في تاريخه (11/383) عن المنذر بن شاذان التمار عن محمد بن سابق به. وفيه موسى بن عبيدة الربذي وجهالة ثابت مولى أم سلمة. ولا يعرف لأم سلمة مولى إسمه ثابت.
ورواه ابن أبي حاتم والطبري في تاريخه (11/383) عن المنذر بن شاذان التمار عن محمد بن سابق به. وفيه موسى بن عبيدة الربذي وجهالة ثابت مولى أم سلمة. ولا يعرف لأم سلمة مولى إسمه ثابت.
وبهذا تعجب من قول الهيثمي بأن رجال الرواية ثقات مع جهالة عيسى هذا وجهالة ثابت المولى المزعوم لأم سلمة.
ورواه الطبري أيضا وكذلك البيهقي في سننه (9/54) من طريق العوفي عن ابن عباس. وهذا إسناد مسلسل بالعوفيين والعوفيون ضعفاء كما هو معلوم.
ورواه الطبري أيضا وكذلك البيهقي في سننه (9/54) من طريق العوفي عن ابن عباس. وهذا إسناد مسلسل بالعوفيين والعوفيون ضعفاء كما هو معلوم.
كذلك أورد ابن كثير أقوالا لمجاهد وقتادة وابن أبي ليلى. وكلها روايات مرسلة وهذه المرسلات لا تصلح لإثبات تهمة الفسق على صحابي فإننا لا نقبلها في أحكام الطهارة ولا الصلاة. فكيف نقبلها في جرح خير هذه الأمة؟
فلم يثبت بحمد الله من هذه الروايات شيء ألبتة.
وقد كانت هذه الروايات في حاجة إلى عناية ومتابعة وجهد ليتبين بعدها أن الروايات كلها كانت منقطعة الأسانيد وأن ما صح منها كما في صحيح مسلم لا يعدو أن يثبت شهادة الفساق عليه زورا كما سوف يتبين لك من هذا البحث القيم الذي قام به الأستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله رحمة واسعة ووجب على كل قارئ لبحثه هذا أن يدعو له بالرحمة.
شهادة الأستاذ محب الدين الخطيب في الوليد بن عقبة
قال الأستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله « كنت في ما مضى أعجب كيف تكون هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة ويسميه الله فاسقاً، ثم تبقى له في نفس خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر المكانة التي سجلها له التاريخ.. إن هذا التناقض ـ بين ثقة أبي بكر و عمر بالوليد بن عقبة وبين ما كان ينبغي أن يعامل به لو أن الله سماه فاسقاً ـ حملني على الشك في أن تكون الآية نزلت فيه..
وبعد أن ساورني هذا الشك أعدت النظر في الأخبار التي وردت عن سبب نزول الآية { إن جاءكم فاسق بنبأ . . . } فلما عكفت على دراستها وجدتها موقوفة على مجاهد، أو قتادة أو ابن أبي ليلى، أو يزيد بن رومان، ولم يذكر أحد منهما أسماء رواة هذه الأخبار في مدة مائة سنة أو أكثر مرت بين أيامهم وزمن الحادث، وهذه المائة من السنين حافلة بالرواة من مشارب مختلفة.
وإن الذين لهم هوى في تشويه سمعة مثل الوليد ومن هم أعظم مقاماً من الوليد قد ملأوا الدنيا أخباراً مريبة لها قيمة علمية.
وما دام رواة تلك الأخبار في سبب نزول الآية مجهولين من علماء الجرح والتعديل بعد الرجال الموقوفة هذه الأخبار عليهم وعلماء الجرح والتعديل لا يعرفون من أمرهم حتى ولا أسمائهم [ شيئاً ]، فمن غير الجائز شرعاً وتاريخاً الحكم بصحة هذه الأخبار المنقطعة التي لا نسب لها وترتيب الأحكام عليها.
وهنالك خبران موصولان أحدهما عن أم سلمة زعم موسى بن عبيدة أنه سمعه من ثابت مولى أم سلمة وموسى بن عبيدة ضعفه النسائي وابن المديني وابن عدي وجماعة.
وثابت المزعوم أنه مولى أم سلمة ليس له ذكر في كل ما رجعت إليه من كتب العلم ن فلم يذكر في تهذيب التهذيب ولا في تقريب التهذيب ولا في خلاصة تذهيب الكمال، بل لم أجده في (ميزان الاعتدال ) و( لسان الميزان ).
وذهبت إلى مجموعة أحاديث أم سلمة في مسند الإمام أحمد فقرأتها واحداً واحداً فلم أجد فيها هذا الخير بل لم أجد لأم سلمة أي خبر ذكر فيه اسم مولى لها يدعى ثابت ، زد على كل هذا أن أم سلمة لم تقل في هذا الخبر ـ إن صح عنها ـ ولا سبيل إلى أن يصح عنها ـ إن الآية نزلت في الوليد بل قالت ـ أي قيل على لسانها ـ " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رجلا ) في صدقات بين المصطلق " .
والخبر الثاني الموصول رواه الطبري في التفسير عن ابن سعد عن أبيه عن عمه عن أبيه عن أبيه عن ابن عباس.
والطبري لم يلق ابن سعد ولم يأخذ عنه لأن ابن سعد لما توفي بغداد سنة 23هـ كان الطبري طفلا في نحو السادسة من عمره ولم يخرج إلى ذلك الحين من بلده آمل في طبرستان لا إلى بغداد ولا لغيرها.
ثم تبين لي أن ابن سعد الذي ورى عنه الطبري هو محمد بن سعد العوفي ن وقد وصف الشيخ أحمد شاكر سنده بأنه ( سند مسلسل بالضعفاء من أسرة واحدة ) انظر تفسير الطبري طبعة دار المعارف 1 :263).
فكل هذه الأخبار من أولها إلى آخرها لا يجوز أن يؤاخذ بها مجاهد كان موقع ثقة أبي بكر وعمر وقام بخدمات للإسلام يرجى له بها أعظم المثوبة إن شاء الله أضف إلى كل ما تقدم أنه في الوقت الذي حدث فيه لبني المصطلق الحادثة التي نزلت فيها الآية كان الوليد صغير السن كما سيأتي في الفقرة التالية .
وروى أحمد في مسنده ( 4 : 32 ) حول عمر الوليد بن عقبة يوم فتح مكة عن شيخ له هو فياض بن محمد الرقي عن جعفر بن برقان الرقي عن ثابت بن الحجاج الكلابي الرقي عن عبد الله الهمداني هو ( عبد الله بن مالك بن الحارث ) عن الوليد بن عقبة، والظاهر أن الوليد بن عقبة تحدث بهذا الحديث عندما اعتزل الناس في السنين الأخيرة من حياته واختار الإقامة في قرية له من أعمال الرقة ، فتسلسلت رواية الخبر في الرواة الرقيين، وأخذه الإمام أحمد عن شيخ له منهم وعبد الله الهمداني ثقة لكن التبس اسمه في غر هذه الرواية بهمداني آخر يكنى أبا موسى واسمه مالك بن الحارث ( أي على اسم والد عبد الله الهمداني ) وهو مجهول عند أهل الجرح والتعديل.
أما عبد الله الهمداني الذي ينتهي إليه الخبر في رواية الإمام أحمد فمعروف وموثوق به وعلى روايته وأمثالها اعتمد القاضي ابن العربي في الحكم على سن الوليد بن عقبة بأنه كان صبياً عند فتح مكة وأن الذي نزلت فيه آية ( إن جاءكم فاسق بنبأ ) هو شخص آخر.
ومن عجيب أمر الذين كان لهم هوى في تشويه سمعة هذا الصحابي الشاب المجاهد الطيب النفس الحسن السيرة في الناس أنهم حاولوا إدحاض حجة صغر سنه في ذلك الوقت بخبر آخر روي عن قدومه مع أخيه عمارة إلى المدينة في السنة السابعة للهجرة ليطلبا من النبي صلى الله عليه وسلم رد أختهما أم كلثوم إلى مكة.
وأصل هذا الخبر ـ إن صح ـ مقدم فيه اسم عمارة على اسم الوليد وهذا مما يستأنس به في أن عمارة هو الأصل في هذه الرحلة وأن الوليد جاء في صحبته.
وأي مانع يمنع قدوم الوليد صبياً بصحبة أخيه الكبير كما يقع مثل ذلك في كل زمان ومكان؟
فقول الوليد إنه كان في سنة الفتح صبياً ليس في خبر قدومه مع أخيه الكبير إلى المدينة في السنة السابعة ما يمنعه أو يناقضه.
فإذا تقرر عندك أن جميع الأخبار الواردة بشأن الوليد بن عقبة في سبب نزول آية {إن جاءكم فاسق بنبأ } لا يجوز علمياً أن يبنى عليها حكم شرعي أو تاريخي، وإذا أضفت إلى ذلك حديث مسند الإمام أحمد عن سن الوليد في سنة الفتح يتبين لك بعد ذلك حكمة استعمال أبي بكر وعمر للوليد وثقتهما به واعتمادهما عليه مع أنه كان لا يزال في صدر شبابه.
قال الأستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله « كنت في ما مضى أعجب كيف تكون هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة ويسميه الله فاسقاً، ثم تبقى له في نفس خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر المكانة التي سجلها له التاريخ.. إن هذا التناقض ـ بين ثقة أبي بكر و عمر بالوليد بن عقبة وبين ما كان ينبغي أن يعامل به لو أن الله سماه فاسقاً ـ حملني على الشك في أن تكون الآية نزلت فيه..
وبعد أن ساورني هذا الشك أعدت النظر في الأخبار التي وردت عن سبب نزول الآية { إن جاءكم فاسق بنبأ . . . } فلما عكفت على دراستها وجدتها موقوفة على مجاهد، أو قتادة أو ابن أبي ليلى، أو يزيد بن رومان، ولم يذكر أحد منهما أسماء رواة هذه الأخبار في مدة مائة سنة أو أكثر مرت بين أيامهم وزمن الحادث، وهذه المائة من السنين حافلة بالرواة من مشارب مختلفة.
وإن الذين لهم هوى في تشويه سمعة مثل الوليد ومن هم أعظم مقاماً من الوليد قد ملأوا الدنيا أخباراً مريبة لها قيمة علمية.
وما دام رواة تلك الأخبار في سبب نزول الآية مجهولين من علماء الجرح والتعديل بعد الرجال الموقوفة هذه الأخبار عليهم وعلماء الجرح والتعديل لا يعرفون من أمرهم حتى ولا أسمائهم [ شيئاً ]، فمن غير الجائز شرعاً وتاريخاً الحكم بصحة هذه الأخبار المنقطعة التي لا نسب لها وترتيب الأحكام عليها.
وهنالك خبران موصولان أحدهما عن أم سلمة زعم موسى بن عبيدة أنه سمعه من ثابت مولى أم سلمة وموسى بن عبيدة ضعفه النسائي وابن المديني وابن عدي وجماعة.
وثابت المزعوم أنه مولى أم سلمة ليس له ذكر في كل ما رجعت إليه من كتب العلم ن فلم يذكر في تهذيب التهذيب ولا في تقريب التهذيب ولا في خلاصة تذهيب الكمال، بل لم أجده في (ميزان الاعتدال ) و( لسان الميزان ).
وذهبت إلى مجموعة أحاديث أم سلمة في مسند الإمام أحمد فقرأتها واحداً واحداً فلم أجد فيها هذا الخير بل لم أجد لأم سلمة أي خبر ذكر فيه اسم مولى لها يدعى ثابت ، زد على كل هذا أن أم سلمة لم تقل في هذا الخبر ـ إن صح عنها ـ ولا سبيل إلى أن يصح عنها ـ إن الآية نزلت في الوليد بل قالت ـ أي قيل على لسانها ـ " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رجلا ) في صدقات بين المصطلق " .
والخبر الثاني الموصول رواه الطبري في التفسير عن ابن سعد عن أبيه عن عمه عن أبيه عن أبيه عن ابن عباس.
والطبري لم يلق ابن سعد ولم يأخذ عنه لأن ابن سعد لما توفي بغداد سنة 23هـ كان الطبري طفلا في نحو السادسة من عمره ولم يخرج إلى ذلك الحين من بلده آمل في طبرستان لا إلى بغداد ولا لغيرها.
ثم تبين لي أن ابن سعد الذي ورى عنه الطبري هو محمد بن سعد العوفي ن وقد وصف الشيخ أحمد شاكر سنده بأنه ( سند مسلسل بالضعفاء من أسرة واحدة ) انظر تفسير الطبري طبعة دار المعارف 1 :263).
فكل هذه الأخبار من أولها إلى آخرها لا يجوز أن يؤاخذ بها مجاهد كان موقع ثقة أبي بكر وعمر وقام بخدمات للإسلام يرجى له بها أعظم المثوبة إن شاء الله أضف إلى كل ما تقدم أنه في الوقت الذي حدث فيه لبني المصطلق الحادثة التي نزلت فيها الآية كان الوليد صغير السن كما سيأتي في الفقرة التالية .
وروى أحمد في مسنده ( 4 : 32 ) حول عمر الوليد بن عقبة يوم فتح مكة عن شيخ له هو فياض بن محمد الرقي عن جعفر بن برقان الرقي عن ثابت بن الحجاج الكلابي الرقي عن عبد الله الهمداني هو ( عبد الله بن مالك بن الحارث ) عن الوليد بن عقبة، والظاهر أن الوليد بن عقبة تحدث بهذا الحديث عندما اعتزل الناس في السنين الأخيرة من حياته واختار الإقامة في قرية له من أعمال الرقة ، فتسلسلت رواية الخبر في الرواة الرقيين، وأخذه الإمام أحمد عن شيخ له منهم وعبد الله الهمداني ثقة لكن التبس اسمه في غر هذه الرواية بهمداني آخر يكنى أبا موسى واسمه مالك بن الحارث ( أي على اسم والد عبد الله الهمداني ) وهو مجهول عند أهل الجرح والتعديل.
أما عبد الله الهمداني الذي ينتهي إليه الخبر في رواية الإمام أحمد فمعروف وموثوق به وعلى روايته وأمثالها اعتمد القاضي ابن العربي في الحكم على سن الوليد بن عقبة بأنه كان صبياً عند فتح مكة وأن الذي نزلت فيه آية ( إن جاءكم فاسق بنبأ ) هو شخص آخر.
ومن عجيب أمر الذين كان لهم هوى في تشويه سمعة هذا الصحابي الشاب المجاهد الطيب النفس الحسن السيرة في الناس أنهم حاولوا إدحاض حجة صغر سنه في ذلك الوقت بخبر آخر روي عن قدومه مع أخيه عمارة إلى المدينة في السنة السابعة للهجرة ليطلبا من النبي صلى الله عليه وسلم رد أختهما أم كلثوم إلى مكة.
وأصل هذا الخبر ـ إن صح ـ مقدم فيه اسم عمارة على اسم الوليد وهذا مما يستأنس به في أن عمارة هو الأصل في هذه الرحلة وأن الوليد جاء في صحبته.
وأي مانع يمنع قدوم الوليد صبياً بصحبة أخيه الكبير كما يقع مثل ذلك في كل زمان ومكان؟
فقول الوليد إنه كان في سنة الفتح صبياً ليس في خبر قدومه مع أخيه الكبير إلى المدينة في السنة السابعة ما يمنعه أو يناقضه.
فإذا تقرر عندك أن جميع الأخبار الواردة بشأن الوليد بن عقبة في سبب نزول آية {إن جاءكم فاسق بنبأ } لا يجوز علمياً أن يبنى عليها حكم شرعي أو تاريخي، وإذا أضفت إلى ذلك حديث مسند الإمام أحمد عن سن الوليد في سنة الفتح يتبين لك بعد ذلك حكمة استعمال أبي بكر وعمر للوليد وثقتهما به واعتمادهما عليه مع أنه كان لا يزال في صدر شبابه.
الوليد المجاهد الفاتح العادل
أما الوليد بن عقبة المجاهد الفاتح العادل المظلوم ( الذي كان منه لأمته كل ما استطاع من عمل طيب، ثم رأى بعينه كيف يبغي المبطلون على الصالحين وينفذ باطلهم فيهم، فاعتزل الناس بعد مقتل عثمان في ضيعة له منقطعة عن صخب المجتمع، وهي تبعد خمسة عشر ميلاً عن بلدة الرقة من أرض الجزيرة التي كان يجاهد فيها ويدعو نصاراها إلى الإسلام في خلافة عمر).
فقد آن لدسائس الكذابين فيه أن ينكشف عنها عوارها ولا يضير هذا الرجل أن يتأخر انكشاف الحق فيه ثلاثة عشر قرناً فإن الحق قديم ولا يؤثر في قدمه احتجابه.
أراد الوليد بن عقبة ـ منذ ولي الكوفة لأمير المؤمنين عثمان ـ أن يكون الحاكم المثالي في العدل والنبل والسيرة الطيبة مع الناس كما كان المحارب المثالي في جهاده وقيامة للإسلام بما يليق بالذائدين عن دعوته، الحاملين لرايته الناشرين لرسالته وقد لبث في إمارته على الكوفة خمس سنوات وداره ـ إلى اليوم الذي زايل فيه الكوفة ـ ليس لها باب يحول بينه وبين الناس ممن يعرف أولا يعرف، فكان يغشاها كل من شاء متى شاء من ليل أو نهار ولم يكن بالوليد حاجة لأن يستتر عن الناس.
فالستر دون الفاحشات ولا يلقاك دون الخير من ستر
وكان ينبغي أن يكون الناس كلهم محبين لأميرهم الطيب لأنه أقام لغربائهم دور الضيافة وأدخل على الناس خيراً حتى جعل يقسم المال للولائد والعبيد ، ورد على كل مملوك من فضول الأموال في كل شهر ما يتسعون به من غير ان ينقص مواليهم من أرزاقهم وبالفعل كانت جماهير الشعب متعلقة بحب هذا الأمير المثالي طول مدة حكمه.
إلا أن فريقاً من الأشرار وأهل الفساد أصاب بنيهم سوط الشريعة بالعقاب على يد الوليد فوقفوا حياتهم على ترصد الأذى له.
ومن هؤلاء رجال يسمى أحدهم أبا زينب بن عوف الأزدي وآخر يسمى أبا مورع وثالث اسمه جندب أبو زهير.
قبضت السلطات على أبنائهم في ليلة نقبوا فيها على ابن الحيسمان داره وقتلوه وكان نازلاً بجواره رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل السابقة في الاسلام وهو أبو شريح الخزاعي حامل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش خزاعة يوم فتح مكة.
فجاء هو وابنه من المدينة ليسيرا مع أحد جيوش الوليد بن عقبة التي كان يواصل توجيهها نحو المشرق للفتوح ونشر دعوة الإسلام، فشهد هذا الصحابي وابنه في تلك الليلة سطو هؤلاء الأشرار على منزل ابن الحيسمان، وأدى شهادته هو وابنه على هؤلاء القتلة السفاحين.
فأنفذ الوليد فيهم حكم الشريعة على باب القصر في الرحبة ، فكتب آباؤهم العهد على أنفسهم للشيطان بأن يكيدوا لهذا الأمير الطيب الرحيم وبثوا عليه العيون والجواسيس ليترقبوا حركاته.
وكان بيته مفتوحاً دائماً وبينما كان عنده ذات يوم ضيف له من شعراء الشمال كان نصرانياً في أخواله من بني تغلب بأرض الجزيرة وأسلم على يد الوليد فظن جواسيس الموتورين أن هذا الشاعر الذي كان نصرانياً لا بد أن يكون يشرب الخمر.
ولعل الوليد أن يكرمه بذلك. فنادوا أبا زينب وأبا المورع وأصحابهما، فاقتحموا الدار على الوليد من ناحية المسجد ولم يكن لداره باب. فلما فوجئ بهم نحى شيئاً أدخله تحت السرير ، فأدخل بعضهم يده فأخرجه بلا إذن من صاحب الدار، فلما أخرج ذلك الشئ من تحت السرير إذا هو طبق عليه تفاريق عنب فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون من الخجل ، وسمع الناس بالحكاية فأقبلوا يسبونهم ويلعنونهم.
وقد ستر الوليد عليهم ذلك وطواه عن عثمان وسكت عن ذلك وصبر، ثم تكررت مكايد جندب وأبي زينب وأبي المورع وكانوا يغتنمون كل حادث فيسيئون تأويله ويفترون الكذب وذهب بعض الذين كانوا عمالا في الحكومة ونحاهم الوليد عن أعمالهم لسوء سيرتهم فقصدوا المدينة وجعلوا يشكون الوليد لأمير المؤمنين عثمان ويطلبون منه عزله عن الكوفة وفيما كان هؤلاء في المدينة دخل أبو زينب وأبو المورع دار الإمارة بالكوفة مع من يدخلها من غمار الناس وبقيا فيها إلى أن تنحى الوليد ليستريح فخرج بقية القوم ، وثبت أبو زينب وأبو المورع إلى أن تكنا من سرقة خاتم الوليد من داره وخرجا.
فلما استيقظ الوليد لم يجد خاتمه فسأل عنه زوجتيه ـ وكانتا في مخدع تريان منه زوار الوليد من وراء ستر ـ فقالتا إن آخر من بقي في الدار رجلان، وذكرنا صفتيهما وحليتهما للوليد، فعرف أنهما أبو زينب وأبو المورع، وأدرك أنهما لم يسرقا الخاتم إلا لمكيدة بيتاها فأرسل في طلبهما فلم يوجدا في الكوفة، وكان قد سافرا تواً إلى المدينة.
وتقدما شاهدين على الوليد بشرب الخمر (واكبر ظني أنهما استلهما شهادتهما المزورة من تفاصيل الحادث الذي سبق وقوعه لقدامة بن مضعون في خلافة عمر (فقال كنا من غاشيته فدخلنا عليه وهو يقئ الخمر فقال عثمان ما يقئ الخمر إلا شاربها فجئ بالوليد من الكوفة فحلف لعثمان وأخبره خبرهم، فقال عثمان : " نقيم الحدود ويبوء شاهد الزور بالنار ".
أما الوليد بن عقبة المجاهد الفاتح العادل المظلوم ( الذي كان منه لأمته كل ما استطاع من عمل طيب، ثم رأى بعينه كيف يبغي المبطلون على الصالحين وينفذ باطلهم فيهم، فاعتزل الناس بعد مقتل عثمان في ضيعة له منقطعة عن صخب المجتمع، وهي تبعد خمسة عشر ميلاً عن بلدة الرقة من أرض الجزيرة التي كان يجاهد فيها ويدعو نصاراها إلى الإسلام في خلافة عمر).
فقد آن لدسائس الكذابين فيه أن ينكشف عنها عوارها ولا يضير هذا الرجل أن يتأخر انكشاف الحق فيه ثلاثة عشر قرناً فإن الحق قديم ولا يؤثر في قدمه احتجابه.
أراد الوليد بن عقبة ـ منذ ولي الكوفة لأمير المؤمنين عثمان ـ أن يكون الحاكم المثالي في العدل والنبل والسيرة الطيبة مع الناس كما كان المحارب المثالي في جهاده وقيامة للإسلام بما يليق بالذائدين عن دعوته، الحاملين لرايته الناشرين لرسالته وقد لبث في إمارته على الكوفة خمس سنوات وداره ـ إلى اليوم الذي زايل فيه الكوفة ـ ليس لها باب يحول بينه وبين الناس ممن يعرف أولا يعرف، فكان يغشاها كل من شاء متى شاء من ليل أو نهار ولم يكن بالوليد حاجة لأن يستتر عن الناس.
فالستر دون الفاحشات ولا يلقاك دون الخير من ستر
وكان ينبغي أن يكون الناس كلهم محبين لأميرهم الطيب لأنه أقام لغربائهم دور الضيافة وأدخل على الناس خيراً حتى جعل يقسم المال للولائد والعبيد ، ورد على كل مملوك من فضول الأموال في كل شهر ما يتسعون به من غير ان ينقص مواليهم من أرزاقهم وبالفعل كانت جماهير الشعب متعلقة بحب هذا الأمير المثالي طول مدة حكمه.
إلا أن فريقاً من الأشرار وأهل الفساد أصاب بنيهم سوط الشريعة بالعقاب على يد الوليد فوقفوا حياتهم على ترصد الأذى له.
ومن هؤلاء رجال يسمى أحدهم أبا زينب بن عوف الأزدي وآخر يسمى أبا مورع وثالث اسمه جندب أبو زهير.
قبضت السلطات على أبنائهم في ليلة نقبوا فيها على ابن الحيسمان داره وقتلوه وكان نازلاً بجواره رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل السابقة في الاسلام وهو أبو شريح الخزاعي حامل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش خزاعة يوم فتح مكة.
فجاء هو وابنه من المدينة ليسيرا مع أحد جيوش الوليد بن عقبة التي كان يواصل توجيهها نحو المشرق للفتوح ونشر دعوة الإسلام، فشهد هذا الصحابي وابنه في تلك الليلة سطو هؤلاء الأشرار على منزل ابن الحيسمان، وأدى شهادته هو وابنه على هؤلاء القتلة السفاحين.
فأنفذ الوليد فيهم حكم الشريعة على باب القصر في الرحبة ، فكتب آباؤهم العهد على أنفسهم للشيطان بأن يكيدوا لهذا الأمير الطيب الرحيم وبثوا عليه العيون والجواسيس ليترقبوا حركاته.
وكان بيته مفتوحاً دائماً وبينما كان عنده ذات يوم ضيف له من شعراء الشمال كان نصرانياً في أخواله من بني تغلب بأرض الجزيرة وأسلم على يد الوليد فظن جواسيس الموتورين أن هذا الشاعر الذي كان نصرانياً لا بد أن يكون يشرب الخمر.
ولعل الوليد أن يكرمه بذلك. فنادوا أبا زينب وأبا المورع وأصحابهما، فاقتحموا الدار على الوليد من ناحية المسجد ولم يكن لداره باب. فلما فوجئ بهم نحى شيئاً أدخله تحت السرير ، فأدخل بعضهم يده فأخرجه بلا إذن من صاحب الدار، فلما أخرج ذلك الشئ من تحت السرير إذا هو طبق عليه تفاريق عنب فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون من الخجل ، وسمع الناس بالحكاية فأقبلوا يسبونهم ويلعنونهم.
وقد ستر الوليد عليهم ذلك وطواه عن عثمان وسكت عن ذلك وصبر، ثم تكررت مكايد جندب وأبي زينب وأبي المورع وكانوا يغتنمون كل حادث فيسيئون تأويله ويفترون الكذب وذهب بعض الذين كانوا عمالا في الحكومة ونحاهم الوليد عن أعمالهم لسوء سيرتهم فقصدوا المدينة وجعلوا يشكون الوليد لأمير المؤمنين عثمان ويطلبون منه عزله عن الكوفة وفيما كان هؤلاء في المدينة دخل أبو زينب وأبو المورع دار الإمارة بالكوفة مع من يدخلها من غمار الناس وبقيا فيها إلى أن تنحى الوليد ليستريح فخرج بقية القوم ، وثبت أبو زينب وأبو المورع إلى أن تكنا من سرقة خاتم الوليد من داره وخرجا.
فلما استيقظ الوليد لم يجد خاتمه فسأل عنه زوجتيه ـ وكانتا في مخدع تريان منه زوار الوليد من وراء ستر ـ فقالتا إن آخر من بقي في الدار رجلان، وذكرنا صفتيهما وحليتهما للوليد، فعرف أنهما أبو زينب وأبو المورع، وأدرك أنهما لم يسرقا الخاتم إلا لمكيدة بيتاها فأرسل في طلبهما فلم يوجدا في الكوفة، وكان قد سافرا تواً إلى المدينة.
وتقدما شاهدين على الوليد بشرب الخمر (واكبر ظني أنهما استلهما شهادتهما المزورة من تفاصيل الحادث الذي سبق وقوعه لقدامة بن مضعون في خلافة عمر (فقال كنا من غاشيته فدخلنا عليه وهو يقئ الخمر فقال عثمان ما يقئ الخمر إلا شاربها فجئ بالوليد من الكوفة فحلف لعثمان وأخبره خبرهم، فقال عثمان : " نقيم الحدود ويبوء شاهد الزور بالنار ".
هذه قصة اتهام الوليد بالخمر كما في حوادث سنة 30 هـ من تاريخ الطبري وليس فيها ـ على تعدد مصادرها ـ شئ غير ذلك وعناصر الخبر عند الطبري أن الشهود على الوليد اثنان من الموتورين الذين تعادت شواهد غلهم عليه ، ولم يرد في الشهادة ذكر الصلاة من أصلها فضلا عن أن تكون اثنتين أو أربعاً، وزيادة ذكر الصلاة هي الأخرى أمرها عجيب.
فقد نقل خبرها عن الحضين بن المنذر ( أحد أتباع علي ) أنه كان مع علي عند عثمان ساعة أقيم الحد على الوليد، وتناقل الناس عنه هذا الخبر فسجله مسلم في صحيحه ( كتاب الحدود ) بلفظ " شهدت عثمان ابن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ( ركعتين ) ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان بأنه تقياً أحدهما حمران أنه شرب الخمر وشهد اخر أنه أنه راه يتقيأ ) فالشاهدان لم يشهدا بأن الوليد صلى الصبح ركعتين وقال أزيدكم بل شهد أحدهما بأنه شرب الخمر وشهد الآخر بأنه تقيأ.
أما صلاة الصبح ركعتين وكلمة أزيدكم فهي من كلام حضين، ولم يكن حضين من الشهود، ولا كان في الكوفة في وقت الحادث المزعوم، ثم إنه لم يسند هذا العنصر من عناصر الاتهام إلى إنسان معروف.
ومن العجيب أن نفس الخبر الذي في صحيح مسلم وارد في ثلاثة مواضع من مسند أحمد مروياً عن حضين، والذي سمعه من حضين في صحيح مسلم هو الذي سمعه منه في مسند احمد بمواضعه الثلاثة.
فالموضعان الأول والثاني ( ج1 ص82 و140 ) ليس فيهما ذكر الصلاة عن لسان حضين فضلاً عن غيره، فلعل أحد الرواة من بعده أدرك أن الكلام عن الصلاة ليس من كلام الشهود فاقتصر على ذكر الحد.
وأما في الموضع الثالث من مسند أحمد ( ج1ص 144 ) فقد جاء على لسان حضين أن الوليد صلى بالناس الصبح أربعاً، وهو يعارض ما جاء على لسان حضين نفسه في صحيح مسلم ، ففي إحدى الروايتين تحريف [ و ] الله أعلم بسببه.
وفي الحالتين لا يخرج ذكر الصلاة عنه أنه كلام حضين وحضين ليس بشاهد ، ولم يرو عن شاهد ، فلا عبرة بهذا الجزء من كلامه.
وبعد أن علمت بأمر الموتورين فيما نقله الطبري عن شيوخه، أزيدك علماً بأمر حمران [ المذكور في الرواية ] وهو عبد من عبيد عثمان كنا قد عصى الله قبل شهادته على الوليد فتزوج في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم امرأة مطلقة ودخل بها وهي في عدتها من زوجها الأول، فغضب عليه عثمان لهذا ولأمور أخرى قبله فطرده من رحابه وأخرجه من المدينة، فجاء الكوفة يعيث فيها فساداً، ودخل على العبد الصالح عامر بن عبد القيس فافترى عليه الكذب عند رجال الدولة وكان سبب تسييره إلى الشام.
وأنا أترك أمر هذا الشاهد والشاهدين الآخرين قبله إلى ضمير القارئ يحكم عليهم بما يشاء ، وفي اجتهادي أن مثل هؤلاء الشهود لا يقام بهم حد الله على ظنين من السوقة والرعاع ، فكيف بصحابي مجاهد وضع الخليفة في يده أمانة قطر وقيادة جيوش فكان عند الظن به من حسن السيرة في الناس وصدق الرعاية لأمانات الله ، وكان موضع الثقة عند ثلاثة من اكمل خلفاء الإسلام ابي بكر وعمر وعثمان.
وإن قرابة الوليد من عثمان التي يزعم الكذبة أنها سبب المحاباة منه لهم إنما كانت سبب التسامح من عثمان في عزلهم يتسلون بأعراض الناس يتفكهون بأبيات ستة منسوبة إلى ماجن خسيس النفس وردت في ص85 من ديوانه ولا تحملهم سليقة النقد على الشعور بما في هذه الأبيات من التضارب والتعارض فأين مدحه فيها للوليد بقوله :
فقد نقل خبرها عن الحضين بن المنذر ( أحد أتباع علي ) أنه كان مع علي عند عثمان ساعة أقيم الحد على الوليد، وتناقل الناس عنه هذا الخبر فسجله مسلم في صحيحه ( كتاب الحدود ) بلفظ " شهدت عثمان ابن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ( ركعتين ) ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان بأنه تقياً أحدهما حمران أنه شرب الخمر وشهد اخر أنه أنه راه يتقيأ ) فالشاهدان لم يشهدا بأن الوليد صلى الصبح ركعتين وقال أزيدكم بل شهد أحدهما بأنه شرب الخمر وشهد الآخر بأنه تقيأ.
أما صلاة الصبح ركعتين وكلمة أزيدكم فهي من كلام حضين، ولم يكن حضين من الشهود، ولا كان في الكوفة في وقت الحادث المزعوم، ثم إنه لم يسند هذا العنصر من عناصر الاتهام إلى إنسان معروف.
ومن العجيب أن نفس الخبر الذي في صحيح مسلم وارد في ثلاثة مواضع من مسند أحمد مروياً عن حضين، والذي سمعه من حضين في صحيح مسلم هو الذي سمعه منه في مسند احمد بمواضعه الثلاثة.
فالموضعان الأول والثاني ( ج1 ص82 و140 ) ليس فيهما ذكر الصلاة عن لسان حضين فضلاً عن غيره، فلعل أحد الرواة من بعده أدرك أن الكلام عن الصلاة ليس من كلام الشهود فاقتصر على ذكر الحد.
وأما في الموضع الثالث من مسند أحمد ( ج1ص 144 ) فقد جاء على لسان حضين أن الوليد صلى بالناس الصبح أربعاً، وهو يعارض ما جاء على لسان حضين نفسه في صحيح مسلم ، ففي إحدى الروايتين تحريف [ و ] الله أعلم بسببه.
وفي الحالتين لا يخرج ذكر الصلاة عنه أنه كلام حضين وحضين ليس بشاهد ، ولم يرو عن شاهد ، فلا عبرة بهذا الجزء من كلامه.
وبعد أن علمت بأمر الموتورين فيما نقله الطبري عن شيوخه، أزيدك علماً بأمر حمران [ المذكور في الرواية ] وهو عبد من عبيد عثمان كنا قد عصى الله قبل شهادته على الوليد فتزوج في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم امرأة مطلقة ودخل بها وهي في عدتها من زوجها الأول، فغضب عليه عثمان لهذا ولأمور أخرى قبله فطرده من رحابه وأخرجه من المدينة، فجاء الكوفة يعيث فيها فساداً، ودخل على العبد الصالح عامر بن عبد القيس فافترى عليه الكذب عند رجال الدولة وكان سبب تسييره إلى الشام.
وأنا أترك أمر هذا الشاهد والشاهدين الآخرين قبله إلى ضمير القارئ يحكم عليهم بما يشاء ، وفي اجتهادي أن مثل هؤلاء الشهود لا يقام بهم حد الله على ظنين من السوقة والرعاع ، فكيف بصحابي مجاهد وضع الخليفة في يده أمانة قطر وقيادة جيوش فكان عند الظن به من حسن السيرة في الناس وصدق الرعاية لأمانات الله ، وكان موضع الثقة عند ثلاثة من اكمل خلفاء الإسلام ابي بكر وعمر وعثمان.
وإن قرابة الوليد من عثمان التي يزعم الكذبة أنها سبب المحاباة منه لهم إنما كانت سبب التسامح من عثمان في عزلهم يتسلون بأعراض الناس يتفكهون بأبيات ستة منسوبة إلى ماجن خسيس النفس وردت في ص85 من ديوانه ولا تحملهم سليقة النقد على الشعور بما في هذه الأبيات من التضارب والتعارض فأين مدحه فيها للوليد بقوله :
ورأوا شمائل ماجد أنف بعطي على الميسور والعسر
فنزعت مكذوباً عليك ولم تردد إلى عوز ولا فقر
من بقية الأبيات التي فيها :
نادى وقد تمت صلاتهم أأزيدكم ثملا وما يدري
فالذي يقول البيت الأخير لا يعقل أن يقول معه البيتين الأولين فيكون مادحاً وذاماً في قطعة واحدة لا تزيد على ستة أبيات : وقد كانت لي مقالة مطولة عن ( التخليط في الشعر ) ضربت فيها الأمثلة على دس الأبيات غريبة في قصائد من وزنها ورويها لغير ناظمها .
وعلى كل حال فالشهود الذين شهدوا بين يدي عثمان لم يدّعوا حكاية الصلاة مع أنهم لم يكونوا ممن يخاف الله واليوم الاخر.
والآن أقولها لوجه الله صريحة ومدوية إن الوليد لو كان من رجال التاريخ الأوربي كالقديس لويس الذي أسرناه في دار ابن لقمان بالمنصورة لعدوه قديساً لأن لويس التاسع لم يحسن إلى فرنسا كإحسان الوليد بن عقبة إلى أمته ولم يفتح للنصرانية كفتح الوليد للإسلام.
والعجب لأمة تسئ إلى أبطالها وتشوه جمال تاريخها وتهدم أمجادها كما يفعل الأشرار منا ، ثم ينتشر كيد هؤلاء الأشرار حتى يظن الأخيار أنه هو الحق» ا. هـ
العواصم من القواصم ص90-98 تحتقيق وتعليق الأستاذ محب الدين الخطيب.
بعد هذا البحث القيم نقول:
رحم الله الأستاذ محب الدين الخطيب على ما ذب به عن عرض الصحابي الجليل الوليد بن عقبة المتهم ظلما وزورا بشرب الخمر والذي طار أعداء الإسلام من الداخل بخبره فرحا ليكيدوا لأسانيد القرآن البشرية (أعني الصحابة) حسدا من عند أنفسهم.
رحم الله الأستاذ محب الدين الخطيب على ما ذب به عن عرض الصحابي الجليل الوليد بن عقبة المتهم ظلما وزورا بشرب الخمر والذي طار أعداء الإسلام من الداخل بخبره فرحا ليكيدوا لأسانيد القرآن البشرية (أعني الصحابة) حسدا من عند أنفسهم.
وليبرروا قولهم بتحريف القرآن وليوجدوا لأنفسهم ولو أنموذجا واحدا يكسرون به عدالة الصحابة.
وظن هؤلاء أنهم يدافعون بذلك عن الاسلام. وما دروا أنهم إنما يطعنون بذلك في القرآن بمحاولتهم كسر حصن وقاعدة (عدالة الصحابي) التي غدت قاعدة أهل السنة ومنهجهم.
الصحابة أسانيد القرآن. والطعن بهم طعن في سند القرآن.
الصحابة أسانيد القرآن. والطعن بهم طعن في سند القرآن.
وكم سوف يفرح أعداء المسلمين حين يجدون من يعينهم من داخل الإسلام من يكسر هذا السند ليعينهم على الطعن في القرآن الكريم. فكيف وأن كتب هؤلاء قد صرحت هي الأخرى بتواتر الأسانيد والروايات عن امتداد أيدي الصحابة إلى القرآن بالتحريف والحذف وتغيرر الآيات عن موضعها: لهثا وراء المكاسب والإمارة الدنيوية.
أو يعقل هذا فيمن وصفهم الله بأنهم (يؤثرون على أنفسهم). ونحذف إكراما لعيون هؤلاء المنافقين نحذف حرف الجر (على). من الآية فتصير الآية هكذا:
(ويؤثرون أنفسهم) ليحلو لهم اعتقادهم أن الصحابة كانوا أنانيين وكانوا أحرص الناس على حياة وعلى عرض الدنيا القليل؟
(ويؤثرون أنفسهم) ليحلو لهم اعتقادهم أن الصحابة كانوا أنانيين وكانوا أحرص الناس على حياة وعلى عرض الدنيا القليل؟
بدلا من (ويؤثرون على أنفسهم) والتي تصفهم بأنهم يقدمون الآخرين إطعاما وكفالة على أنفسهم.
كلا والله. إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا وبلوا كل ما عندهم رخيصا في سبيل أقامة دين الله لا يمكن أن نعتقد فيهم إلا ما قاله الله تعالى (ويؤثرون على أنفسهم) وليس (يؤثرون أنفسهم)...
منقول من موقع الراشدون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق